مرة جديدة يعود مطار بيروت الى الواجهة، ليس من باب الايجاب بالطبع، انما من الباب السلبي. وبعد الاعلان عن "انجازات" كثيرة للجمارك اللبنانية عبر المطار تحديداً لجهة ايقاف عمليات تهريب المخدرات ومشتقاتها، وبعد الكلام الكثير عن تحسين الخدمات فيه وتخصيص مبالغ مالية لتعزيز تدابير الحماية والامن والتدقيق، عاد المطار الى قفص الاتهام وهذه المرة من البوابة الايرانية.
فقد تنامت مسألة عدم ختم جوازات الرعايا الايرانيين الذين يزورون لبنان، ولم تنفع التبريرات التي اعطيت إنْ من قبل الامن العام او من قبل الخارجية اللبنانية، لتهدئة الخواطر او ابعاد الشبهات عن الموضوع، علماً انه ليس بجديد وان التدبير معمول به منذ فترة طويلة دون اي مشاكل او اعتراض داخلي او خارجي، فيما تردد ان وزير الداخلية نهاد المشنوق سيتخذ قراراً بوقف العمل بهذا التدبير.
وتعتبر مصادر متابعة ان ما يحصل يأتي في سياق الحملة الاميركية على "حزب الله" وايران، والتي تتعزز مع اقتراب تشكيل الحكومة بعد الانتخابات النيابية، حيث ترغب واشنطن في المحافظة على التوازن الايراني-السعودي في لبنان وعدم كسره. وتعتبر المصادر نفسها ان هذا هو السبب الرئيسي في رفع نسبة التحذير والكلام عن "سيطرة ايرانية على المطار ولبنان عبر حزب الله"، فطوال الحرب السورية وقبلها، وفي خضم الحالة السيّئة التي عاشتها بيروت قبل التوافق على حل مشكلتها السياسية، بقي المطار "مقبولاً" لدى الجميع، وتمت المطالبة فقط بتعزيز بعض النواحي الامنية فيه بمساعدة اجنبية، وهو ما حصل، انما لم يصل الامر يوماً الى حد الاعلان عن انه بات "مستباحاً" (الا في العام 2008 وما حصل في حينه)، والدليل ان اي دولة من الدول الاوروبية او العربية لم تقطع رحلاتها الى لبنان او تعاملها مع شركات السياحة والسفر فيه، فيما نرى ان اقل حادثة مثيرة للريبة في أيّ بلد تدفع الدول الاوروبية والكبرى الى اعلان تعليق رحلاتها من والى هذا البلد.
امر آخر لفتت اليه المصادر، وهو ان التركيز يتم حاليا ًعلى اعتماد مطار ثانٍ في لبنان، وانه لكي يتم الاعلان عن هذا الامر وتسريع العملية، يجب اعطاء تبرير اكثر من كاف لبدء التنفيذ. وباعتبار المصادر، ان التشكيك الفادح بمطار بيروت، من شأنه اعطاء الذريعة الكافية لاعتماد مطار آخر، واظهار النواحي الايجابية التي يمكن ان تأتي عبر هذه الخطوة. ومن نافل القول ان هذا الامر هو محط ترحيب لدى اللبنانيين، فاعتماد مطارين من شأنه ان يرتد ايجابا ًعلى مجمل النواحي السياحية والاقتصادية، انما لا تزال دونه عوائق عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر، قدرة الاستيعاب خصوصاً وان لبنان يمر بفترة مهمة على صعيد حركة السفر لم يعرفها سابقاً، وهي مرجحة للنمو بشكل مضطرد. واذا كان مطار بيروت بات غير قادر على استيعاب المسافرين، فكيف سيكون عليه المطار الجديد؟ لكن المصادر تحذر من ناحية اخرى غير ادارية قد تشكل "القطبة المخفية"، وهي ان الهدف من اعتماد مطار آخر، هو للايحاء بأن مطار بيروت اصبح مشكوكاً في امره، وهذا امر لا يخدم لبنان بشكل عام، لان تأثيره السلبي سيطال جميع اللبنانيين وليس شريحة واحدة فقط (اي حزب الله).
في مطلق الاحوال، اعطت العاصفة التشكيكية مفعولها، واصبح من غير الممكن تجاهل الاتهامات والتشكيك الامني الكبيرين بالمطار، فهل المسألة على هذا القدر الكبير من الخطورة، ام انها وسيلة لتحويل الانظار عن مسائل اخرى هي الاساس في كل ما يجري؟ وهل تعتبر هذه الطريقة ناجعة لمحاربة ايران وحزب الله؟ يبقى رصد موقف الدول من قضية المطار والتي ستكون المؤشر الابرز لما ينتظر هذا المرفق الحيوي.